رسالة في مسألة الجبر والقدر لابن کمال باشا ( ت 940هـ ) دراسة وتحقيق

المؤلف

کلية التربية للعلوم الانسانية /جامعة الانبار

المستخلص

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم و على آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
وهکذا ، ومن خلال استعراض قضية الإيمان بالقدر والبحث فيها، نجد أنها قضية أصولية مهمة ، فهي رکن من أرکان الإيمان لا يصح الإيمان إلى بها، وعليه فإن من واجبنا الإيمان بالقدر والتمسک به لأنه أساس هذه الحياة. واهم ما نخلص اليه من هذا البحث هو الاجابة عن مسألة أُثيرت قديماً، وتثار حديثاً، مفادها: أنه لا ينبغي الحديث في مسائل القدر مطلقاً، بحجة أن ذلک يبعث على الشک والحيرة، وأن هذا الباب زلّت به أقدام، وضلَّت به أفهام. فالجواب عن ذلک: أن النهي الوارد مُنْصَبٌّ على الأمور الآتية:
1- الخوض في القدر بالباطل وبلا علم ولا دليل . 2- الاعتماد في معرفة القدر على العقل البشري القاصر.  3- ترک التسليم والإذعان لله - تعالى - في قدره. 4- البحث عن الجانب الخفي في القدر. 5 - الأسئلة الاعتراضية التي لا يجوز إيرادها: کمن يقول مُتَعَنِّتاً: لماذا هدى الله فلاناً، وأضل فلاناً؟ ولماذا کلَّف الله الإنسان من بين سائر المخلوقات؟ ولماذا أغنى الله فلاناً، وأفقر فلاناً؟ وهکذا. . .  ، أما من سأل مستفهماً فلا بأس به؛ فشفاء العي السؤال، أما من سأل متعنتاً - غير متفقه ولا متعلم - فهو الذي لا يحل قليلُ سؤاله ولا کثيرُهُ ([1]).  6- التنازع في القدر: الذي يؤدي إلى اختلاف الناس فيه، وافتراقهم في شأنه، فهذا مما نهينا عنه.
ومن هنا يتبين أن النهي عن الحديث في القدر على إطلاقه غيرُ صحيح، وإنما النهي کان عن الأمور الآنفة الذکر ، أما البحث فيما يستطيع العقل البشري أن يجول فيه، ويفهمه من منطلق النصوص - کالبحث في مراتب القدر، وأقسام التقدير، وخلق أفعال العباد، إلى غير ذلک من مباحث القدر - فهذا ميسَّر واضح لا يمنع من البحث فيه، على أنه لا يستطيع کل أحد أن يفهمها على وجه التفصيل، إلا أن هناک من يعلمها ويکشف ما فيها ، وهذا يعني أن الکلام في القدر، أو البحث فيه بالمنهج العلمي الصحيح غير محرم أو منهي عنه، وإنما الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم  " هو التنازع في القدر" ([2])  ، وخلاصة القول في هذه المسألة: أن الحديث عن القدر لا يفتح بإطلاق، ولا يغلق بإطلاق؛ فإن کان الحديث بحق فلا يمنع ولا ينهى عنه، بل قد يجب، وإن کان بباطل فيمنع، وينهى عنه. والله اعلم واحکم .



([1]) شرح العقيدة الطحاوية ، لابن أبي العز الحنفي 262، وانظر : الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة ، لابن قتيبة 35 .


([2]) القضاء والقدر في الإسلام، د. فاروق الدسوقي 1/368.

الموضوعات الرئيسية